[center]
أنا من أسرة متدينة... والدي يعمل "ساعيا" بالمحافظة؛ وفي رمضان يحتل منصب مسحراتي الحي. مخ أبي "مبرمج" على النوم بعد صلاة العشاء بـ 30 دقيقة؛ والاستيقاظ قبل موعد الفجر بـ 30 دقيقة.. تماما كأن داخل عقله "تايمر" يوقظه من "أحلى نومة"، وفي عز البرد يتوضأ ويخرج إلى المسجد مارا على عدد من الأصحاب ينادي عليهم بالاسم: "يا حاج عمران".. "يا أسطى سيد"...
[size=9]وانضباطه مع الفجر هيأه لاحتراف مهنة المسحراتي. وهو ما فسر لي وجود الطبلة في بيتنا.. وهي ليست من النوع الذي يدور في خيالك الآن... فهي مجرد دائرة معدنية مشدود عليها قرص من الجلد الرنان.. يمسكها أبي بيد وبالأخرى ينقر على سطحها بخرزانه رقيقة، وهو يطوف الأزقة والحواري قبيل السحور، مرددا في نغم جميل:
"اصحى يانايم... وحد ربك الدايم"
مساعد مسحراتي:
كنت أسمع في طفولتي من يقول عن أبي: إن "صوته حلو، وكلامه جميل". وهو ما تأكد لي عندما كنت أرافقه ـ كتلميذ ابتدائي شاطر ـ تحت الشبابيك ممسكا بقائمة ورقية مكتوب عليها أسماء أطفال، وأمام كل اسم عنوان سكنه، والمطلوب مني أثناء مرافقتي لأبي بعد منتصف الليل أن ألقنه اسم الطفل تحت نافذة بيته.
فأقول لأبي هامسا: حمدي، فيتغنى بصوته الجميل ومن ألحانه وكلماته المرتجلة على إيقاع النقر بالخرزانة..
تسلم يا حمدي يا للي أمك وأبوك
تن ترن تن تن
صرفوا عليك ومن قلبهم حبوك
تن ترن تن تن
ياكبير خواتك وعاقل ومن شطارتك حسدوك
تن ترن تن تن
وبحمده يا حمدي جنود السما حرسوك
وتحت نافذة أخرى أهمس له باسم آخر: ناديه فيردد أبي:
ناديه يا وردة ناديه ياحلوة الحارة
تن ترن تن تن
ياست الجمال والحسن على جبينك أمارة
تن ترن تن تن
يابت عيلة مؤمنه بربنا وبآخر رسالة
تن ترن تن تن
دا هو واحد أحد والكون دا كله إشارة
كان الأطفال يسهرون حتى الفجر أملا في سماع ألحان أبي يتغنى بأسمائهم وأوصافهم. لكن دور والدي لم يقتصر فقط على هذا؛ فمن صميم عمل المسحراتي أن يقوم بدور "الميكروفون" أو " المنبه"... كان يجوب الحي كله مناديا على الناس ليفوزوا بما هو أحلى وأغلى من النوم، أقصد "صلاة الفجر جماعة في رمضان"، وعند لحظات الوداع للشهر الكريم أسمع من أهل الحي الكثيرين يدعون له بالخير أن أعانهم على الحفاظ على فريضة الفجر بطول الشهر المعظم.
تعالى نلم الغلة:
ويأتى العيد، فأكتشف أن لي مهمة جديدة.. هذه المرة تبدأ بـ"لم الغلة" من البيوت، التي غنى أبي تحت نوافذها لحمدي ونادية وإبراهيم وسمير... والدي يدفع العربة اليد، وأنا أتوجه للأهالي أجمع لفائف الكحك والبسكوت، وأتلقى منهم بسمات مشجعة مع عبارة محبوبة:
"كل سنة وأنت طيب... بعودة"
[size=9]
[/sizeأنا من أسرة متدينة... والدي يعمل "ساعيا" بالمحافظة؛ وفي رمضان يحتل منصب مسحراتي الحي. مخ أبي "مبرمج" على النوم بعد صلاة العشاء بـ 30 دقيقة؛ والاستيقاظ قبل موعد الفجر بـ 30 دقيقة.. تماما كأن داخل عقله "تايمر" يوقظه من "أحلى نومة"، وفي عز البرد يتوضأ ويخرج إلى المسجد مارا على عدد من الأصحاب ينادي عليهم بالاسم: "يا حاج عمران".. "يا أسطى سيد"...
[size=9]وانضباطه مع الفجر هيأه لاحتراف مهنة المسحراتي. وهو ما فسر لي وجود الطبلة في بيتنا.. وهي ليست من النوع الذي يدور في خيالك الآن... فهي مجرد دائرة معدنية مشدود عليها قرص من الجلد الرنان.. يمسكها أبي بيد وبالأخرى ينقر على سطحها بخرزانه رقيقة، وهو يطوف الأزقة والحواري قبيل السحور، مرددا في نغم جميل:
"اصحى يانايم... وحد ربك الدايم"
مساعد مسحراتي:
كنت أسمع في طفولتي من يقول عن أبي: إن "صوته حلو، وكلامه جميل". وهو ما تأكد لي عندما كنت أرافقه ـ كتلميذ ابتدائي شاطر ـ تحت الشبابيك ممسكا بقائمة ورقية مكتوب عليها أسماء أطفال، وأمام كل اسم عنوان سكنه، والمطلوب مني أثناء مرافقتي لأبي بعد منتصف الليل أن ألقنه اسم الطفل تحت نافذة بيته.
فأقول لأبي هامسا: حمدي، فيتغنى بصوته الجميل ومن ألحانه وكلماته المرتجلة على إيقاع النقر بالخرزانة..
تسلم يا حمدي يا للي أمك وأبوك
تن ترن تن تن
صرفوا عليك ومن قلبهم حبوك
تن ترن تن تن
ياكبير خواتك وعاقل ومن شطارتك حسدوك
تن ترن تن تن
وبحمده يا حمدي جنود السما حرسوك
وتحت نافذة أخرى أهمس له باسم آخر: ناديه فيردد أبي:
ناديه يا وردة ناديه ياحلوة الحارة
تن ترن تن تن
ياست الجمال والحسن على جبينك أمارة
تن ترن تن تن
يابت عيلة مؤمنه بربنا وبآخر رسالة
تن ترن تن تن
دا هو واحد أحد والكون دا كله إشارة
كان الأطفال يسهرون حتى الفجر أملا في سماع ألحان أبي يتغنى بأسمائهم وأوصافهم. لكن دور والدي لم يقتصر فقط على هذا؛ فمن صميم عمل المسحراتي أن يقوم بدور "الميكروفون" أو " المنبه"... كان يجوب الحي كله مناديا على الناس ليفوزوا بما هو أحلى وأغلى من النوم، أقصد "صلاة الفجر جماعة في رمضان"، وعند لحظات الوداع للشهر الكريم أسمع من أهل الحي الكثيرين يدعون له بالخير أن أعانهم على الحفاظ على فريضة الفجر بطول الشهر المعظم.
تعالى نلم الغلة:
ويأتى العيد، فأكتشف أن لي مهمة جديدة.. هذه المرة تبدأ بـ"لم الغلة" من البيوت، التي غنى أبي تحت نوافذها لحمدي ونادية وإبراهيم وسمير... والدي يدفع العربة اليد، وأنا أتوجه للأهالي أجمع لفائف الكحك والبسكوت، وأتلقى منهم بسمات مشجعة مع عبارة محبوبة:
"كل سنة وأنت طيب... بعودة"
[size=9]