الحديث الخامس:
إبطالُ المنْكرات وَ البِدَع
مفردات الحديث
المعنى العام 1-الإسلام اتّباع لا ابتداع 2-الأعمال المردودة 3-الأعمال المقبولة
ما يستفاد من الحديث
عن أُمِّ المُؤمِنينَ أُمِّ عَبْدِ الله عائِشَةَرَضي اللهُ عنها قالَتْ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيْسَ منهُ فَهُوَ رَدٌّ ". رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلمٌ. وفي رِوايَةٍ لمُسْلمٍ " : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عليه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ ".
مفردات الحديث:
" من أحدث ": أنشأ واخترع من قِبَل نفسه وهواه.
" في أمرنا ": في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا.
" فهو رد": مردود على فاعله لبطلانه وعدم الإعتداد به.
المعنى العام:
الإسلام اتباع لا ابتداع: والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حفظ الإسلام من غلو المتطرفين وتحريف المبطلين بهذا الحديث الذي يعتبر من جوامع الكلم، وهو مستمد من آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل، نَصَّت على أن الفلاح والنجاة في اتباع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تزيُّدٍ أو تَنَطُّعٍ، كقوله تعالى: {قلْ إنْ كُنْتم تحِبُّونَ اللهَ فاتّبعُوني يُحببْكُم الله}[آل عمران:31].
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته:
"خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
الأعمال المردودة: والحديث نص صريح في رد كل عمل ليس عليه أمر الشارع؛ ومنطوقه يدل على تقييد الأعمال بأحكام الشريعة، واحتكامها كأفعال للمكلفين بما ورد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أوامر ونواهٍ، والضلال كل الضلال أن تخرج الأعمال عن نطاق أحكام الشريعة فلا تتقيد بها، وأن تصبح الأعمال حاكمة على الشريعة لا محكومة لها، ومن واجب كل مسلم حينئذ أن يحكم عليها بأنها أعمال باطلة ومردودة، وهي قسمان: عبادات ومعاملات.
أ- أما العبادات: فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على صاحبه ومثال ذلك أن يتقرب إلى الله تعالى بسماع الأغاني، أو بالرقص، أو بالنظر إلى وجوه النساء.
ب- وأما المعاملات: كالعقود والفسوخ، فما كان منافياً للشرع بالكلية فهو باطل ومردود، دليل ذلك ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاءه سائل يريد أن يغير حد الزنى المعهود إلى فداء من المال والمتاع، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال وأبطل ما جاء به، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه سائل فقال: " إن ابني كان عسيفاً (أجيراً) على فلان فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المئة الشاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام".
الأعمال المقبولة: وهناك أعمال وأمور مستحدثة، لا تنافي أحكام الشريعة، بل يوجد في أدلة الشرع وقواعده ما يؤيدها، فهذه لا ترد على فاعلها بل هي مقبولة ومحمودة، وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً من ذلك واستجازوه، وأجمعوا على قبوله، وأوضح مثال على ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مصحف واحد، وكتابة نسخ منه وإرسالها إلى الأمصار مع القراء في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه..
إن بعض الأعمال المستحدثة المخالفة لشرع الله هي بدع سيئة وضالة، وبعض الأعمال المستحدثة لا تخالف الشرع، بل هي موافقة له مقبولة فيه، فهذه أعمال مقبولة ومحمودة، ومنها ما هو مندوب، ومنها ما هو فرض كفاية، ومن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ما أُحدِثَ وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أُحْدِثَ من الخير ولم يخالف شيئاَ من ذلك فهو البدعة المحمودة ".
يفيد الحديث: أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه، وعمله مردود عليه، وأنه يستحق الوعيد.
وفيه أن النهي يقتضي الفساد. وأن الدين الإسلامي كامل لا نقص فيه.